صوم الغربة.. مهاجرون في العالم يسردون تجاربهم مع رمضان
صوم الغربة.. مهاجرون في العالم يسردون تجاربهم مع رمضان
من دول عربية وأوروبية.. مغتربون لـ"جسور بوست":
لا شيء يعادل الصيام في الوطن وعند الأهل طال النهار أو قصر.. والأم أكثر من نفتقده
في السويد.. الغربة رسمية وفي الإمارات جيران الهنا يضمون مغترباً مصرياً إلى مائدتهم
في برلين.. رمضان حاضر بصلواته وأكلاته والجاليات العربية تُنظم إفطاراً جماعياً
سوري: تقارب الطقوس المصرية والسورية قلل من الغربة.. والملوخية والمحشي عزاء السوريين في القاهرة
مغترب في السعودية: رمضان في المملكة ممتع.. والصلاة في حضرة النبي هي أعظم ما يمكن أن يعيشه إنسان
رمضان مدينة روحية، لها صلواتها وأطعمتها وبرامجها وزياراتها واستثماراتها، التي غالبًا ترتبط بالوطن والأهل، لذلك يأتي الشهر الكريم على المغتربين بما يُهَيِّج في النفس شعورًا بالحنين والشوق إلى الأوطان والأسر، خاصة من بعد عامين عانت فيهما الكرة الأرضية حظرا ووباء تسبب في اختفاء الأجواء الاحتفالية الرمضانية، في ظل منع التجمعات وإغلاق المساجد.
ويأتي رمضان هذا العام 2022، في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أثر سلبًا وبصورة كبيرة على إمدادات الغذاء من البلدين المتحاربين، لمعظم دول منطقة الشرق الأوسط.
"جسور بوست" حاورت بعض المغتربين في أوروبا والوطن العربي عن رمضان وشعائره وعاداته، كيف يقضون رمضان هذا العام، وهل ستقدر التقنية المتفوقة على نقل هذه الروحانية عبر خلايا التواصل الرقمي؟
في السويد.. الغربة رسمية
سامر طه، من الأردن درس الطب في السويد يروي تجربته منذ سافرها قبيل 9 سنوات: "كان رمضان يأتي بالصيف وكانت مدة الصيام 19 ساعة تقريبًا، كانت الغربة رسمية، عاداتنا في الشهر الكريم مختلفة تمامًا، حيث لا أذان في السويد ولا صلاة خارجية، جميع من حولك يتناولون الطعام في كل الأوقات، فنحن بعالم آخر، ولا أقارب ولا أصدقاء، بعد انتهاء دراستي اضطررت للعمل بدول عربية كالإمارات والسعودية، وإن كان الأمر مختلفًا من حيث الأطعمة وأنواعها وبعض العادات أيضًا عن الأردن، إلا أن التقارب والتشابه بين العادات الرمضانية كبير، ولكن رمضان هذا العام والعام الماضي، عانينا من تداعيات كورونا فصار كرمضان السويد الغربة رسمية.
جيران الهنا
بخفة دم معهودة لدى المصريين، تناول محمد بكر قصة اغترابه عن وطنه ووجوده بـ"أبوظبي"، يحكي: "في الغالب المتوقع قصة معاناة، ورمضان في مصر حاجة تانية وهذه الأمور، ولكن ربما يكون تناول قصة اغترابي مخيبا للآمال، حيث لا معاناة، الصيام يمر بسهولة، لا اغتراب ولا اختلاف، على العكس، جاورني السكن أسرة مصرية، كانت كل يوم وفور سماع الأذان، أجد عائلهم ينقر بابي وعلى يديه "صينية" بها نفس الأطعمة التي تزين سفرتهم، بل إنه كان يطلب مني أحيانًا معرفة ما أفضله من أكلات، يفاجئني بإحضارها في اليوم التالي، موقف وحيد أثر بي في الغربة، كنت أستأجر غرفة رئيسية من أسرة مسلمة، وفي أول يوم في رمضان جئت بوجبة إفطاري وحضرت سفرتي، وعلى صوت الأذان رحت أفكر في عائلتي وأمي وماذا تصنع الآن وكيف كنت معهم أنعم بدفئهم، وسط هذا كانت الأسرة التي أسكن عندها تفطر مجتمعة في بهجة أسرية على بُعد أمتار، كان مشهدًا دراميًا وحيدًا في فترة اغترابي، لكن من افتقدته حقًا وما زلت هي أمي لأنها تفطر بمفردها، لها مني وافر المحبة والسلام".
ويتابع:" منذ عام انتقلت إلى "دبي"، وبها كان جميع جيراني أجانب وكأنه لا رمضان، وبطبيعتي أتناول وجبات صحية أطهوها بنفسي، ورغم اختلافهم عن جيراني في مصر وفي أبوظبي، إلا أنهم أيضًا يحترمون الآخر ومعتقداته".
في برلين رمضان حاضر بصلواته وعاداته
من العاصمة برلين يروي محمد نبيل تجربته مع رمضان: "أجواء رمضان في ألمانيا تختلف تمامًا عن الدول العربية، فهي مختلفة كليًّا، إذ لا توجد أجواء توحي بالشهر، لكن المسلمين يحاولون إحياء الشعائر قدر المستطاع، “نفتقد اللمة وزيارة الأهالي وتجمعات شهر رمضان”، وأشار إلى أن عدد ساعات الصيام في ألمانيا أطول من نظيرتها في الدول العربية، حيث يزيد على 18 ساعة تقريبًا، كذلك فإن نظام العمل أصعب، حيث لا أعذار أو اعتبارات لصيام، لكن المسلمين يحاولون التغلب على كل هذه الأمور من خلال تهيئة الأجواء بما يتناسب مع أجواء رمضان المصرية، فنستمع إلى أغاني "رمضان جانا"، "سبحة رمضان"، كذلك تكون هناك محاولات التجمع خاصة لدى الجاليات العربية الموجودة، من خلال الاتفاق على تنظيم الإفطارات الجماعية في الخارج، والتي يعقبها أداء صلاة التراويح في أغلب الأحيان، لكن هذه الأمور لا تكون بشكل دوري".
ويتابع: "أحيانًا تنظم مدينة "برلين" إفطارًا جماعيًا تأتي فيه بالمسرح وفنانين عرب وأتراك، يشاركنا في هذا اليوم العديد من الأفراد من ديانات وجنسيات مختلفة، إلى جانب أن محلات الأطعمة الشعبية في "برلين" كثيرة، يصنعون لنا وجبات رمضانية مصرية، بل إن هناك شوارع مخصصة للعرب تساعدنا في استشعار أجواء رمضان، وغير ذلك فإنني أحرص على مهاتفة أسرتي في مصر بشكل شبه يومي لئلا يفوتني شيء.
ببهجة يسرد محمد تفاصيل أضافت لحياته بعدًا آخر استطاع من خلاله تقليل آثار الغربة، إذ يقول: "على الرغم من أن زوجتي ألمانية، إلا أنها تهتم وبشكل كبير بثقافتنا المصرية، لقد تعلمت كيفية الطبخ المصري ووجباته من خلال كُتَيِّب مثل المشهور لدينا بـ"أبلة نظيرة"، إنها رائعة تساعدني على كل ما هو جميل وتملأ حياتي بالفرحة.
ويتابع:" وبخصوص الزينة وبهجة رمضان، يشير إلى أنها غير موجودة على الإطلاق في الشوارع، "لكننا نقوم بتزيين منازلنا من الداخل، من خلال شرائها من المتاجر الإلكترونية، أو يأتي لنا بها أصدقاء من الدول العربية، ونتابع دراما رمضان عبر المنصات الخاصة بالمشاهدة مدفوعة الأجر".
الملوخية والمحشي عزاء السوريين في مصر
سامر محمد من سوريا: "أفتقد للمة العائلة، لقد سافرت وحيدًا، ورغم أن أجواء رمضان السورية تتشابه والأجواء الرمضانية من طقوس الإفطار والزينة والتجمعات الأسرية، إلا أنني خلال سنواتي التي قضيتها في مصر، كنت أفتقد تلك التفاصيل، فأستمتع بالسحور مع الأصدقاء في الشارع و"عربيات الفول والطعمية".
يضيف: "في السحور للجميع دوائرهم الاجتماعية ولذلك لا نفطر مع بعض عادة، العزاء الوحيد في الأمر، انتشار المطاعم السورية في مصر، ما أفتقده في المطبخ السوري، هو الطبيخ، ما يقدم وجبات سريعة كالشاورما، لكن المطبخ السوري الشرقي لا يوجد، ومن أكلاته ما يطبخ بالزبادي، مثل "الشيش برك"، "الكبة باللبنية"، "الشاكرية"، "الكوبيبة"، "الكبة المشوية"، لكننا نجد في الملوخية والمحشي المصري بكل أنواعه عزاء لنا.
لا غربة في وجود الحرمين
ويسرد محمود بحيري قصته مع الاغتراب فيقول: "الغربة بدأت من مصر، من وقت وجودنا في المدينة الجامعية وابتعادنا جبرًا عن أهالينا، حينها كانت الغربة داخل الوطن، غربة أخرى عشناها خارج الوطن، تحديدًا في مدينة الرياض، لكن ثمة أمور ساهمت في تقليل شعورنا بالاغتراب، حيث كنا يوميًا نفطر في جماعات، كما أن تشابه الطقوس الرمضانية بمدينة جدة والرياض مع طقوس مصر، كان من دواعي البهجة لدينا وسببًا رئيسًا في تقليل جرعة الاغتراب، أيضًا رمضان في السعودية لا يضاهيه شيء، بسبب وجود الحرمين والصلاة في حضرة النبي محمد، وهي من أعظم ما يمكن أن يعيشه المرء من روحانيات.